يتقلَّب الإنسان بين فرح وحزن، وضيق وسَعَةٍ، تفرحه الأيام ساعةً، وتُبْكيه ساعات، يغتني لحظة ويفتقر دهورًا، ساعة وساعة، بل ساعة وساعات.
أمواج وأمواج تقلب القلوب، وتَصْرف الأبصار، وتضعف الأبدان، والقلب يعتصر كمدًا؛ كي تسعفه العينُ بقطرات الدُّموع التي تُطْفئ نار الكمد والحزن فيه، ينتظر، وينتظر، ويطول الانتظار، ولكن العين جمدتْ فيها الدُّموع وتحجَّرت، فانتظرت هي أيضًا مَن يُليِّن لَها ماءها؛ كي تبكي وتبكي بكاء لا انقطاع له، هذه المرَّة تحتاج أن تبكي، ولكن ما عادت تعرف لماذا تبكي؟!
• أتبكي من خيانة الخائنين؟!
• أتبكي على الحبِّ الصافي الذي رحل عنَّا في سفر طويل؟!
• أتبكي على قسوة الأخِ على أخيه، وكأنَّه عدوٌّ مبين؟!
• أتبكي على من يبيع دينه بِدُنيا فانية؟!
• أتبكي على مُخالفة قولٍ لعمل لا يَلْقى تطبيقًا إلى يوم الدِّين؟!
• أتبكي على أُمَّة نائمة تغطُّ في نومها، كأنها في قبورها تنتظر حسابَها؟!
• على ماذا تبكي؟! ولماذا تبكي؟!
• أتبكي لمجرَّد البكاء؟ أم تبكي لتطفئ النار الحامية؟!
ابْكِي يا عينُ ابكي، وأكثِري من البكاء، أم أصبحتِ أنت الأخرى قاسية! ابْكي ابكي هطلاً؛ كي نُطْفئ أحقادًا وأضغانًا في القلب كالجبال الراسية.
ابكي كي تَقْتلعي من القلب النِّفاق المتأصِّل.
ابكي لا تقطعي البكاء؛ فما زالت القلوب قاسية!
ابكي؛ فإنَّ الجبال تشقَّقَت وأخرجت مياهًا صافية، وأنتِ ما زلتِ في جُمودك قاسية، فلماذا منَعْتِ البكاء حتى تصيري صافية؟!
أقول لك: لماذا لا تبكين، فهل أنت عن نفسك راضية؟! أم أنك ضَمِنت الجنَّة، وأصبحْتِ في مستقرِّها باقية؟!
ابكي أو لا تبكي، فما عاد ينفع البكاء؛ فالأمَّة لا تحتاج إلى دموعك النائمة، بل تحتاج إلى طاقة تقوِّي القلب الضعيف بين أضْلُع واهية، تحتاج إلى طاقة تفكُّ الأسر والقيود عن جوارح خلف القضبان باقية.
دعْكِ من البكاء، كفى نُواحًا، ما عاد يجدي البكاء من أناس زَهِدوا في آخرة باقية، وعضُّوا على دنيا فانية!